روائع مختارة | قطوف إيمانية | في رحاب القرآن الكريم | ـ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ـ 2

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > في رحاب القرآن الكريم > ـ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ـ 2


  ـ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ـ 2
     عدد مرات المشاهدة: 1993        عدد مرات الإرسال: 0

في هذه الآية الجامعة وقفات، ذكرنا اثنتين منها فيما سبق، وها نحن نكملها بإذن الله تعالى:

=الوقفة الثالثة/ أهمية العبادة والإستعانة:

العبودية لله تعالى وحده هي الغاية من الخلق، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦]، ولذلك أرسل الرسل وأنزل الكتب، فما من نبي إلا وابتدأ دعوته بالأمر بالعبودية الخالصة لله تعالى، قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} [النحل:٣٦]، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:٢٥].

ومن فقه الآية الكريمة أنها تظهر إفتقار العبد ونقصانه وحاجته للرب الكبير المتعال في سائر أعماله وشؤونه، يقول ابن تيمية: وكل عمل لا يعين اللهُ العبد عليه فإنه لا يكون ولا ينفع، فما لا يكون به لا يكون، وما لا يكون له لا ينفع ولا يدوم، فلذلك أمر العبد أن يقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} في كل ركعة -مجموع الفتاوى1/103.

ويقول ابن رجب: العبدُ محتاجٌ إلى الإستعانة بالله في فعل المأمورات، وترك المحظورات، والصبر على المقدورات كلِّها في الدنيا وعند الموت وبعده من أهوال البرزخ ويوم القيامة، ولا يقدر على الإعانة على ذلك إلا الله عز وجل، فمن حقق الإستعانة عليه في ذلك كله أعانه، وفي الحديث الصحيح عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «احرصْ على ما ينفعُكَ وإستعن بالله ولا تعجزْ» صحيح مسلم 2668.

ومن ترك الإستعانة بالله، وإستعان بغيرِه، وكَلَهُ الله إلى من إستعان به فصار مخذولاً، كتب الحسنُ إلى عُمَرَ بنِ العزيز: لا تستعِنْ بغيرِ الله، فيكِلَكَ الله إليه -جامع العلوم والحكم ص182.

وقال الشيخ ابن سعدي: يحتاج العبد في جميع عباداته إلى الإستعانة بالله تعالى، فإنه إن لم يعنه الله، لم يحصل له ما يريده من فعل الأوامر، وإجتناب النواهي، والقيام بعبادة الله والإستعانة به هو الوسيلة للسعادة الأبدية، والنجاة من جميع الشرور، فلا سبيل إلى النجاة إلا بالقيام بهما -تيسير الكريم الرحمن 39.

ويقول سيد قطب: هذه الآية تعلن ميلاد التحرر البشري الكامل الشامل من أي معبود من دون الله، فإذا كان الله وحده هو الذي يُعبد، والله وحده هو الذي يُستعان، فقد تخلص البشر من إستذلال الأشخاص، كما تخلصوا من إستذلال الأساطير والأوهام والخرافات -في ظلال القرآن.

=الوقفة الرابعة/ شمولية العبادة والإستعانة:

إن مدلول العبادة في الإسلام أوسع وأشمل من مجرد إقامة الشعائر، فالجن والإنس لا يقضون حياتهم في إقامة الشعائر، بل يكلفهم مع الشعائر ألواناً أخرى من النشاط تستغرق معظم حياتهم، نعرفها من القرآن من قول الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة:٣٠]، فهي الخلافة في الأرض، وهي تقتضي ألواناً من النشاط الحيوي في عمارة الأرض، والتعرف إلى قواها وطاقاتها، وذخائرها ومكنوناتها، وتحقق إرادة الله في استخدامها وتنميتها وترقية الحياة فيها، كما تقتضي الخلافة القيام على شريعة الله في الأرض لتحقيق المنهج الإلهي الذي يتناسق مع الناموس الكوني العام -في ظلال القرآن.

وهذا لن يكون إلا إذا كانت حياة الإنسان كلها لله تعالى، ولذا يقول الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ*لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:١٦٢–١٦٣].

الوقفة الخامسة/ العبادة والاستعانة وفاء بالعهد الذي يقطعه المسلم في كل ركعة:

فعن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «قال الله تعالى: قُسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}، قال الله تعالى: أثنى عليَّ عبدي، وإذا قال: {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، قال مجَّدني عبدي -وقال مرة فوض إليَّ عبدي- فإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ*صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}، قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل -صحيح مسلم كتاب الصلاة باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة 395. فقوله: «هذا بيني وبين عبدي» إشارة إلى أن هذا عهد بين العبد وربه أن لا يعبد إلا الله، وأن لا يستعين بأحد غير الله.

المصدر: موقع دعوة الأنبياء.